responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير ابن كثير - ط العلمية نویسنده : ابن كثير    جلد : 4  صفحه : 522
تُجادِلُ أَيْ تُحَاجُّ عَنْ نَفْسِها لَيْسَ أَحَدٌ يُحَاجُّ عَنْهَا لَا أَبٌ وَلَا ابْنٌ وَلَا أَخٌ وَلَا زَوْجَةٌ وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ أَيْ مِنْ خَيْرٍ وَشَرٍّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ أَيْ لَا يُنْقَصُ مِنْ ثَوَابِ الْخَيْرِ، وَلَا يُزَادُ عَلَى ثَوَابِ الشَّرِّ، وَلَا يُظْلَمُونَ نقيرا.

[سورة النحل (16) : الآيات 112 الى 113]
وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيها رِزْقُها رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذاقَهَا اللَّهُ لِباسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِما كانُوا يَصْنَعُونَ (112) وَلَقَدْ جاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْهُمْ فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمُ الْعَذابُ وَهُمْ ظالِمُونَ (113)
هَذَا مَثَلٌ أُرِيدَ بِهِ أَهْلُ مَكَّةَ، فَإِنَّهَا كَانَتْ آمِنَةً مُطَمْئِنَةً مُسْتَقِرَّةً يُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهَا، وَمَنْ دخلها كان آمنا لَا يَخَافُ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَقالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنا أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبى إِلَيْهِ ثَمَراتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقاً مِنْ لَدُنَّا [الْقَصَصِ: 57] ، وَهَكَذَا قَالَ هَاهُنَا: يَأْتِيها رِزْقُها رَغَداً أَيْ هَنِيئًا سَهْلًا مِنْ كُلِّ مَكانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ أي جحدت آلاء الله عليها وأعظمها بِعْثَةُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهِمْ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْراً وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دارَ الْبَوارِ جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَها وَبِئْسَ الْقَرارُ [إِبْرَاهِيمَ: 28- 29] وَلِهَذَا بَدَّلَهُمُ اللَّهُ بِحَالَيْهِمُ الْأَوَّلَيْنِ خِلَافَهُمَا، فَقَالَ: فَأَذاقَهَا اللَّهُ لِباسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ أَيْ أَلْبَسَهَا وَأَذَاقَهَا الْجُوعَ بَعْدَ أَنْ كَانَ يُجْبَى إِلَيْهِمْ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ، وَيَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ، وَذَلِكَ لَمَّا اسْتَعْصَوْا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبَوْا إِلَّا خِلَافَهُ فَدَعَا عَلَيْهِمْ بِسَبْعٍ كَسَبْعِ يُوسُفَ، فَأَصَابَتْهُمْ سَنَةٌ أَذْهَبَتْ كُلَّ شَيْءٍ لَهُمْ، فَأَكَلُوا الْعِلْهِزَ وَهُوَ وَبَرُ الْبَعِيرِ يخلط بدمه إذا نحروه.
وقوله: وَالْخَوْفِ وذلك أنهم بُدِّلُوا بِأَمْنِهِمْ خَوْفًا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ حِينَ هَاجَرُوا إِلَى المدينة من سطوته وسراياه وجيوشه، وجعل كل ما لهم في دمار وسفال حتى فتحها اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وذلك بسبب صنيعهم وبغيهم وتكذيبهم الرسول صلى الله عليه وسلم الَّذِي بَعَثَهُ اللَّهُ فِيهِمْ مِنْهُمْ، وَامْتَنَّ بِهِ عَلَيْهِمْ فِي قَوْلِهِ: لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ [آل عمران: 164] الآية. وقوله تَعَالَى: فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبابِ الَّذِينَ آمَنُوا قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً رَسُولًا [الطَّلَاقِ: 1] الْآيَةَ، وَقَوْلِهِ: كَما أَرْسَلْنا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِنا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ- إِلَى قَوْلِهِ- وَلا تَكْفُرُونِ [الْبَقَرَةِ: 151- 152] وَكَمًّا أَنَّهُ انْعَكَسَ عَلَى الْكَافِرِينَ حَالُهُمْ فَخَافُوا بَعْدَ الْأَمْنِ، وَجَاعُوا بعد الرغد، فبدل اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا، وَرَزَقَهُمْ بَعْدَ الْعَيْلَةِ، وَجَعَلَهُمْ أُمَرَاءَ النَّاسِ وَحُكَّامَهُمْ وَسَادَتَهُمْ وَقَادَتَهُمْ وَأَئِمَّتَهُمْ، وَهَذَا الَّذِي قُلْنَاهُ مِنْ أَنَّ هذا المثل ضرب لأهل مكة قَالَهُ الْعَوْفِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ مُجَاهِدٌ وَقَتَادَةَ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، وَحَكَاهُ مَالِكٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ رَحِمَهُمُ اللَّهُ.

نام کتاب : تفسير ابن كثير - ط العلمية نویسنده : ابن كثير    جلد : 4  صفحه : 522
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست